الخروج للميدان ومكانته في التعلم - الخرجات الجيولوجية نموذجا
- ذ. محمد اشباني
- 16 oct. 2017
- 4 min de lecture

كثيرا ما نسمع من الأساتذة والتلاميذ بأن دروس الجيولوجيا صعبة و "متحجرة" وتفتقد للمتعة والتشويق الذي يميز دروس البيولوجيا لذلك تجدهم ينفرون منها، فهل تلك حقيقة أم وهم؟ وكيف السبيل لإخراج الجيولوجيا من شكلها الحالي الى شكل يجعلها مادة محبوبة ومرغوبة من الجميع؟
الجيولوجيا أو علم الأرض من العلوم الأساسية التي فتحت عيوننا على حقيقة كوكبنا "الحي" بما فيه من ظواهر تحكمت في نشأته وتطوره ولا مبالغة في القول بأن الجيولوجيا أهم من البيولوجيا لأن الحياة وتطورها وما رافق ذلك في تغير في الوظائف الفيزيولوجية والشراحية حدث بسبب الدينامية المستمرة لكوكب الأرض كتغير المناخ وطبيعة الأوساط وحركة الصفائح وغيرها وما يميز الجيولوجيا أيضا أن عالمها ودارسها لابد له من قدر يسير من المعارف في البيولوجيا على عكس علماء ودارسي البيولوجيا الذين قد تجد بعضهم بعيدا كل البعد من الجيولوجيا وعلومها. رغم كل هذا لماذا ظلت الجيولوجيا علما غير محبوبا؟
يمكن إرجاع ذلك المشكل لعاملين أساسين هما:
طبيعة الجيولوجيا: يتأسس علم الجيولوجيا على قطبين، قطب وظيفي يبحث في الظواهر الجيولوجية التي كانت السبب في نشأة وتطور كوكب الأرض والتي تتحكم فيه اليوم. وقطب تاريخي يدرس تاريخ الأرض وكل قطب يعتمد أنماط بحث ودراسة مختلف ففهم وتفسير الظواهر الجيولوجية تعتمد أساسا على التجارب المخبرية وتكوين النماذج التفسيرية بينما يعتمد القطب الثاني أساسا على الدراسة والملاحظة الميدانية. لكن المشترك بين القطبين وما يميز الجيولوجيا بشكل عام أن هامش التجريد والنماذج التفسيرية كبير جدا وهذا تفرضه طبيعة الظواهر المدروسة والتي لا يمكن تتبعها زمانيا أو مكانيا كما أن الدراسات الجيولوجيا بكون سلم الزمان والمكان فيها كبير جدا فهناك ظواهر تحدث في عشرات السنين وأخرى تحتاج ملايير السنوات كما أن هناك تشكلات جيولوجية صغيرة (واد، جبل، بركان...) وأخرى كبيرة جدا كالصفيحة مثلا. مع هذا الانتقال السريع في الأبعاد يضيع الدارس والتلاميذ وينحصر فهمه للظواهر على دراسة تجريبية أو رسوم تفسيرية دون القدرة على تطور حقيقة تلك الظواهر والبعد الزماني والمكاني الذي تمثله، بالتالي لا يستطيع ان يُموضع نفسه فيها ونتيجة ذلك ستكون النفور وسرعة نسيان تلك المعلومات التي تعتبر "غير مهمة" بالنسبة إليه ولا أثر لها في محطيه وحياته.
شكل الدراسة: إذا كانت التجربة والتجريب من أسس العلم عامة والبيولوجيا خاصة فإن الخروج للميدان هو أساس علم الجيولوجيا ولا يمكن تصور دراسات جيولوجية محصورة في الشق النظري ولعل هذا يفسر مشكل نفور التلاميذ والأساتذة من الجيولوجيا لأنهم ببساطة لم يدرسوا الجيولوجيا كما يجب فالخرجة الجيولوجية هي حل كل الإشكاليات فبها يستطيع التلاميذ تجاوز عائق البعد الزماني والمكاني للظواهر الجيولوجية وبها تتكون العلاقة الوطيدة بين المتعلم والجيولوجيا حيث يكتشف خلالها ان الجيولوجيا جزء من حياته.
يعتبر الخروج للميدان عامة والخرجات المدرسية خاصة من أهم طرق الدراسة النشيطة والفعالة فالميدان يمثل وضعية بيداغوجية مميزة توفر للمتعلم فرصة للمعاينة المباشرة والتساؤل وتكوين إشكاليات علمية أو البحث عن حلها وذلك باعتبار حاجياته، ورغابتاه، ومخاوفه. يمكن تعريف الخرجة البيداغوجية بكونها "مجموعة من التلاميذ برفقة عدد من البالغين (أساتذة) يخرجون لموقع خارج المؤسسة التعليمية لمدة تتراوح بين ساعة واحدة ويوم كامل وذلك خلال أيام الدراسة".

إن الخرجات الجيولوجية تمثل أحد أوجه النهج العلمي في الدراسة فخلالها تحددها الإشكاليات العلمية وتوضع الفرضيات ويتم التأكد منها إما بملاحظات أو جمع المعطيات ميدانيا ومعالجتها مخبريا ثم التعليق عليه وبناء على ذلك يتم وضع نموذج تفسيري الذي يعتبر أحد الوسائل الأساسية في الجيولوجيا.
تسمح الخرجات الجيولوجية بتجاوز عائق سلم الزمان والمكان لدى التلاميذ فخلال الخرجة يعي التلميذ الفارق في السلم الحجم مثلا عندما ينتقل من مستوى المناظر الطبيعية (جبل، واد...) الى مستوى العينات الصخرية بالتالي يصبح وهو بحمل في يديه تلك العينات كمن "يحمل جبلا أو نهرا" وهذا مهم في استغلاله الجيد لتلك العينات. أما بالنسبة لسلم الزمان فيمكن ان يدركه في الخرجة انطلاقا من قيامه بالتأريخ النسبي للتشكلات الجيولوجية كالفوالق أو التنافرات وبذلك يعي أهمية الزمن الجيولوجي. ومن أدوار الخرجات الجيولوجية كذلك انها تكمن التلميذ من تمييز مختلف أنواع الصخور والمعادن فالتعرف عليها ميدانيا وربطها بتموضعها يسهل كثيرا على التلميذ التمييز بينها وتفسير بنيتها وتركيبها العيداني كما أن التلميذ عندما يدرس عينات جلبها بنفسه من الميدان يصبح سيد نفسه ينجز تعلماته باستقلالية وبمسؤولية عكس التلميذ الذي تعطى له عينات قديمة من المختبر فتجده غير مهتم بها وبالتالي يكون تعلمه ناقصا. إن الخرجات تعطى معنى للتعلمات فهي تمكن من التماس المباشر مع البيئة الطبيعية والثقافية مع الجهات الفاعلة في وسط اشتغالها.
إن الخرجات الجيولوجية مثلما توفر فضاء للتعلم الذاتي الفعال فأن تعلب دورا مهما في تنمية مواقف التلاميذ عبر توطيد العلاقة بينهم وبين أستاذهم وبين التلاميذ أنفسهم كما يكتسبون عادات حسنة ويتكون لديهم حس جماعي قوامه الاحترام المتبادل والتعاون والانضباط للفريق.
للخرجات الميدانية أدوار حسب زمن حدوثها خلال سيرورة التعلم ويمكن تقسيمها الى ثلاثة أنواع:
الخرجات الاستكشافية: تكون في بداية التعلم (الدرس أو النشاط) ودورها الأساس ليس بناء المعرفة بل خلق حافز لدى المتعلمين بالموضوع المدروس وربطه بالمحيط وكذا اعتماد الملاحظات الميدانية كوضعية انطلاق لتحديد المشكل العلمي ثم يتم الانتقال للفصل لإنجاز تجارب أو دارسة عينات أو معطيات علمية (وثائق) بغية حل ذلك المشكل.
الخرجات لحل المشكل العلمي: تكون بعد وضع المشكل العملي ومناقشته ووضع الفرضيات المتعلقة بها حيث تعتبر تلك الخرجة واحدة من وسائل التقصي للتأكد من صحة الفرضيات وبالتالي حل المشكل العلمي وبناء المعرفة.
الخرجات التقويمية: تكون بعد نهاية الدرس أو النشاط وتخصص لتقويم مكتسبات التلاميذ وبالتالي التصديق عليها كما تمكن من تقويم الكفايات حيث توفر خرجة وضعية جدا لتطبيق المعارف والقدرات والمهارات المكتسبة من أجل حل مشكل علمي جديد.
خلال الخرجات الميدانية يشترط ان يقتصر دور الأستاذ على الأمور التنظيمية والتوجيه والحرص على توضيح أهداف وإجراءات الخرجة للتلاميذ دون ان يتدخل في عملهم او ينوب عنهم ويكون دور التلاميذ هو الملاحظة والاستماع فقط فالخرجة هي فرصة للتلميذ ليشتغل يدويا سواء أصاب أو أخطأ.
المصادر
La sortie de terrain : quelle place et quel rôle dans une démarche scientifique ?
http://www.radisma.info/document.php?id=702
Réel de terrain et réel de laboratoire et construction de problèmes en sciences de la Vie et de la Terre. ASTER 28
http://ife.ens-lyon.fr/publications/edition-electronique/aster/RA028-06.pdf
Comentarios